كان الحجاج بصريا من بني سعد بن تميم جاء بكتاب مسعود بن عمرو إلى الحسين فبقي معه وقتل
بين يديه .
قال السيد الداودي : إن الحسين ( عليه السلام ) كتب إلى المنذر بن الجارود العبدي وإلى يزيد بن مسعود النهشلي وإلى الأحنف بن قيس وغيرهم من رؤساء الأخماس والأشراف ، فأما الأحنف فكتب إلى الحسين يصبره ويرجيه ، وأما المنذر فأخذ الرسول إلى ابن زياد فقتله ، وأما مسعود (1) فجمع قومه بني تميم وبني حنظلة وبني سعد وبني عامر ، وخطبهم فقال : يا بني تميم كيف ترون موضعي فيكم وحسبي منكم ؟ قالوا : بخ بخ ، أنت والله فقرة الظهر ورأس الفخر ، حللت في الشرف وسطا ، وتقدمت فيه فرطا . قال : فإني قد جمعتكم لأمر أريد أن أشاوركم فيه وأستعين بكم عليه .
فقالوا له : إنا والله نمنحك النصيحة ونجهد لك الرأي ، فقل حتى نسمع . فقال : إن معاوية قد مات فأهون به والله هالكا ومفقودا ، ألا وإنه قد انكسر باب الجور والإثم وتضعضعت أركان الظلم ، وقد كان أحدث بيعة عقد بها أمرا ظن أنه قد أحكمه وهيهات الذي أراد ، اجتهد والله ففشل ، وشاور فخذل ، وقد قام يزيد شارب الخمور ، ورأس الفجور يدعي الخلافة على المسلمين ويتأمر عليهم بغير رضا
منهم مع قصر حلم وقلة علم لا يعرف من الحق موطئ قدمه ، فأقسم بالله قسما مبرورا لجهاده على
الدين أفضل من جهاد المشركين ، وهذا الحسين بن علي أمير المؤمنين وابن رسول الله ( صلى الله
عليه وآله ) ذو الشرف الأصيل والرأي الأثيل له فضل لا يوصف وعلم لا ينزف ، هو أولى بهذا الأمر
لسابقته وسنه وقدمه وقرابته ، يعطف على الصغير ويحنو على الكبير ، فأكرم به راعي رعية وإمام
قوم وجبت لله به الحجة ، وبلغت به الموعظة فلا تعشوا عن نور الحق ولا تسكعوا في وهد الباطل فقد كان صخر بن قيس يعني الأحنف انخزل بكم
بوم الجمل فاغسلوها بخروجكم إلى ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ونصرته ، والله لا يقصر
أحد عن نصرته إلا أورثه الله الذل في ولده والقلة في عشيرته ، وها أناذا قد لبست للحرب لامتها ، وأدرعت لها بدرعها ، من لم يقتل يمت ومن يهرب لم يفت ، فأحسنوا رحمكم الله رد الجواب . فقالت
بنو حنظلة : يا أبا خالد نحن نبل كنانتك وفرسان عشيرتك إن رميت بنا أصبت وإن غزوت بنا فتحت ،
لا تخوض غمرة إلا خضناها ولا تلقى والله شدة إلا لقيناها ، ننصرك بأسيافنا ونقيك بأبداننا إذا شئت .
وقالت بنو أسد : أبا خالد إن أبغض الأشياء إلينا خلافك و الخروج من رأيك ، وقد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال ، فحمدنا ما أمرنا به وبقي عزنا فينا ، فأمهلنا نراجع المشورة ونأتك برأينا !
وقالت : بنو عامر : نحن بنو أبيك وحلفاؤك لا نرضى إن غضبت ولا نوطن إن ضعنت ، فادعنا نجبك
وأمرنا نطعك ، والأمر إليك إذا شئت . فالتفت إلى بني سعد وقال : والله يا بني سعد لئن فعلتموها لا رفع الله السيف عنكم أبدا ، ولا زال فيكم سيفكم ، ثم كتب إلى الحسين - قال بعض أهل المقاتل مع الحجاج بن بدر السعدي - أما بعد : فقد وصل إلي كتابك ، وفهمت ما ندبتني إليه ودعوتني له من الأخذ بحظي من طاعتك والفوز بنصيبي من نصرتك ، وإن الله لم يخل الأرض من عامل عليها بخير ، ودليل على سبيل نجاة ، وأنتم حجة الله على خلقه ، ووديعته في أرضه ، تفرعتم من زيتونة أحمدية
هو أصلها ، وأنتم فرعها فأقدم سعدت بأسعد طائر ، فقد ذللت لك أعناق بني تميم ، وتركتهم أشد
تتابعا في طاعتك من الإبل الظماء لورود الماء يوم خمسها ، وقد ذللت لك بني سعد ، وغسلت درن
قلوبها بماء سحابة مزن حين استهل برقها فلمع . ثم أرسل الكتاب مع الحجاج ، وكان متهيأ للمسير إلى الحسين بعدما سار إليه جماعة من العبديين ، فجاؤوا إليه ( عليه السلام ) بالطف ، فلما قرأ الكتاب قال : " ما لك ! آمنك الله من الخوف ، وأعزك وأرواك يوم العطش الأكبر " . وبقي الحجاج معه حتى قتل بين يديه . قال صاحب الحدائق : قتل مبارزة بعد الظهر ( 2) .
وقال غيره : قتل في الحملة الأولى قبل الظهر . أقول : إن الذي ذكره أهل السير أن الحسين ( عليه السلام ) كتب إلى مسعود بن عمرو الأزدي ، وهذا الخبر يقتضي أنه كتب إلى يزيد بن مسعود التميمي النهشلي ، ولم أعرفه فلعله كان من أشراف تميم بعد الأحنف ، وقد تقدم القول في هذا .
بين يديه .
قال السيد الداودي : إن الحسين ( عليه السلام ) كتب إلى المنذر بن الجارود العبدي وإلى يزيد بن مسعود النهشلي وإلى الأحنف بن قيس وغيرهم من رؤساء الأخماس والأشراف ، فأما الأحنف فكتب إلى الحسين يصبره ويرجيه ، وأما المنذر فأخذ الرسول إلى ابن زياد فقتله ، وأما مسعود (1) فجمع قومه بني تميم وبني حنظلة وبني سعد وبني عامر ، وخطبهم فقال : يا بني تميم كيف ترون موضعي فيكم وحسبي منكم ؟ قالوا : بخ بخ ، أنت والله فقرة الظهر ورأس الفخر ، حللت في الشرف وسطا ، وتقدمت فيه فرطا . قال : فإني قد جمعتكم لأمر أريد أن أشاوركم فيه وأستعين بكم عليه .
فقالوا له : إنا والله نمنحك النصيحة ونجهد لك الرأي ، فقل حتى نسمع . فقال : إن معاوية قد مات فأهون به والله هالكا ومفقودا ، ألا وإنه قد انكسر باب الجور والإثم وتضعضعت أركان الظلم ، وقد كان أحدث بيعة عقد بها أمرا ظن أنه قد أحكمه وهيهات الذي أراد ، اجتهد والله ففشل ، وشاور فخذل ، وقد قام يزيد شارب الخمور ، ورأس الفجور يدعي الخلافة على المسلمين ويتأمر عليهم بغير رضا
منهم مع قصر حلم وقلة علم لا يعرف من الحق موطئ قدمه ، فأقسم بالله قسما مبرورا لجهاده على
الدين أفضل من جهاد المشركين ، وهذا الحسين بن علي أمير المؤمنين وابن رسول الله ( صلى الله
عليه وآله ) ذو الشرف الأصيل والرأي الأثيل له فضل لا يوصف وعلم لا ينزف ، هو أولى بهذا الأمر
لسابقته وسنه وقدمه وقرابته ، يعطف على الصغير ويحنو على الكبير ، فأكرم به راعي رعية وإمام
قوم وجبت لله به الحجة ، وبلغت به الموعظة فلا تعشوا عن نور الحق ولا تسكعوا في وهد الباطل فقد كان صخر بن قيس يعني الأحنف انخزل بكم
بوم الجمل فاغسلوها بخروجكم إلى ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ونصرته ، والله لا يقصر
أحد عن نصرته إلا أورثه الله الذل في ولده والقلة في عشيرته ، وها أناذا قد لبست للحرب لامتها ، وأدرعت لها بدرعها ، من لم يقتل يمت ومن يهرب لم يفت ، فأحسنوا رحمكم الله رد الجواب . فقالت
بنو حنظلة : يا أبا خالد نحن نبل كنانتك وفرسان عشيرتك إن رميت بنا أصبت وإن غزوت بنا فتحت ،
لا تخوض غمرة إلا خضناها ولا تلقى والله شدة إلا لقيناها ، ننصرك بأسيافنا ونقيك بأبداننا إذا شئت .
وقالت بنو أسد : أبا خالد إن أبغض الأشياء إلينا خلافك و الخروج من رأيك ، وقد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال ، فحمدنا ما أمرنا به وبقي عزنا فينا ، فأمهلنا نراجع المشورة ونأتك برأينا !
وقالت : بنو عامر : نحن بنو أبيك وحلفاؤك لا نرضى إن غضبت ولا نوطن إن ضعنت ، فادعنا نجبك
وأمرنا نطعك ، والأمر إليك إذا شئت . فالتفت إلى بني سعد وقال : والله يا بني سعد لئن فعلتموها لا رفع الله السيف عنكم أبدا ، ولا زال فيكم سيفكم ، ثم كتب إلى الحسين - قال بعض أهل المقاتل مع الحجاج بن بدر السعدي - أما بعد : فقد وصل إلي كتابك ، وفهمت ما ندبتني إليه ودعوتني له من الأخذ بحظي من طاعتك والفوز بنصيبي من نصرتك ، وإن الله لم يخل الأرض من عامل عليها بخير ، ودليل على سبيل نجاة ، وأنتم حجة الله على خلقه ، ووديعته في أرضه ، تفرعتم من زيتونة أحمدية
هو أصلها ، وأنتم فرعها فأقدم سعدت بأسعد طائر ، فقد ذللت لك أعناق بني تميم ، وتركتهم أشد
تتابعا في طاعتك من الإبل الظماء لورود الماء يوم خمسها ، وقد ذللت لك بني سعد ، وغسلت درن
قلوبها بماء سحابة مزن حين استهل برقها فلمع . ثم أرسل الكتاب مع الحجاج ، وكان متهيأ للمسير إلى الحسين بعدما سار إليه جماعة من العبديين ، فجاؤوا إليه ( عليه السلام ) بالطف ، فلما قرأ الكتاب قال : " ما لك ! آمنك الله من الخوف ، وأعزك وأرواك يوم العطش الأكبر " . وبقي الحجاج معه حتى قتل بين يديه . قال صاحب الحدائق : قتل مبارزة بعد الظهر ( 2) .
وقال غيره : قتل في الحملة الأولى قبل الظهر . أقول : إن الذي ذكره أهل السير أن الحسين ( عليه السلام ) كتب إلى مسعود بن عمرو الأزدي ، وهذا الخبر يقتضي أنه كتب إلى يزيد بن مسعود التميمي النهشلي ، ولم أعرفه فلعله كان من أشراف تميم بعد الأحنف ، وقد تقدم القول في هذا .
( ضبط الغريب ) مما وقع في هذه الترجمة :
( الأثيل ) : العظيم .
( تسكع ) : تحير .
( الدرن ) : الوسخ يكون في الثوب وغيره .
( استهل ) : المطر : اشتد انصبابه ، يقال هل السحاب وانهل واستهل .
( الأثيل ) : العظيم .
( تسكع ) : تحير .
( الدرن ) : الوسخ يكون في الثوب وغيره .
( استهل ) : المطر : اشتد انصبابه ، يقال هل السحاب وانهل واستهل .
--------------------------------------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق